فصل: تفسير الآيات (6- 9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (4):

الآية الثانية:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)}.
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ}: استعار الرمي للشتم بفاحشة الزنا لكونه جناية بالقول ويسمى هذا الشتم بهذه الفاحشة قذفا.
والمراد بالمحصنات النساء، وخصهن بالذكر لأن قذفهن أشنع والعار فيهن أعظم.
ويلحق الرجال بالنساء في هذا الحكم بلا خلاف بين علماء هذه الأمة.
وقد جمع شيخ شيخنا الشوكاني في ذلك رسالة رد بها على بعض المتأخرين من علماء القرن الحادي عشر لما نازع في ذلك.
وقيل: إن الآية تعم الرجال والنساء، والتقدير الأنفس المحصنات، ويؤيده قوله تعالى في آية أخرى: {وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ} [النساء: 24]، فإن البيان بكونهن من النساء يشعر بأن لفظ المحصنات يشمل غير النساء وإلا لم يكن للبيان كثير معنى.
وقيل: أراد بالمحصنات الفروج كما قال: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها} [الأنبياء: 91]، فتتناول الآية الرجال والنساء تغليبا.
وفيه أن تغليب النساء على الرجال غير معروف في لغة العرب.
والمراد بالمحصنات هنا العفائف. وقد مضى في سورة النساء ذكر الإحصان وما يحتمله من المعاني.
وللعلماء في الشروط المعتبرة في المقذوف والقاذف أبحاث مطولة في كتب الفقه منها ما هو مأخوذ من دليل، ومنها ما هو مجرد رأي بحت.
وذهب الجمهور من العلماء إلى أنه لا حدّ على من قذف كافرا أو كافرة.
وقال الزهري وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى: إنه يجب عليه الحد وكذا ذهبوا إلى أن العبد يجلد أربعين جلدة.
وقال ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وقبيصة: يجلد ثمانين جلدة.
قال القرطبي: وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما.
وقد ثبت في الصحيح عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إن من قذف مملوكة بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال».
ثم ذكر سبحانه شرطا لإقامة الحد على من قذف المحصنات، فقال: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ}: يشهدون عليهن بوقوع الزنا منهن.
ولفظ {ثُمَّ} يدل على أنه يجوز أن تكون شهادة الشهود في غير مجلس القذف، وبه قال الجمهور وخالف في ذلك مالك.
وظاهر الآية أنه يجوز أن يكون الشهود مجتمعين ومفترقين وخالف في ذلك الحسن ومالك، وإذا لم يكمل الشهود أربعة وأبوا قذفه يحدون حد القذف.
وقال الحسن والشعبي: لا حد على الشهود ولا على المشهود عليه، وبه قال أحمد وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن. ويرد ذلك ما وقع في خلافة عمر رضي اللّه عنه من جلده للثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة.
{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً}: الجلد: الضرب كما تقدم، والمجالدة: المضاربة في الجلود أو بالجلود ثم استعير للضرب بالعصا والسيف وغيرهما.
{وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً}: أي فأجمعوا لهم بين الأمرين الجلد وترك قبول الشهادة، لأنهم قد صاروا بالقذف غير عدول بل فسقة كما حكم اللّه به عليهم بقوله: {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4)} هذه جملة مستأنفة مقررة لما قبلها.
والفسق: هو الخروج عن الطاعة ومجاوزة الحد بالمعصية.

.تفسير الآيات (6- 9):

الآيات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)}.
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ} يشهدون بما رموهن به من الزنا.
{إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ}: التي تزيل عنه حد القذف.
{أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)}: في ما رماها به من الزنا.
{وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (7)}: في ذلك.
{وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ}: الدنيوي، وهو الحد.
{أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ}: أي الزوج، {لَمِنَ الْكاذِبِينَ (8)}.
{وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ}: الزوج، {مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} فيما رماها به من الزنا.
وتخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها لكونه أصل الفجور ومادته، ولأن النساء يكثرن اللعنة في العادة، ومع استكثارهن منها لا يكون له في قلوبهن كبير موقع بخلاف الغضب.
وفي الملاعنة أحاديث كثيرة.
وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود قالوا: لا يجتمع المتلاعنان أبدا.
وقد بسطنا الكلام على ذلك في شرحنا لبلوغ المرام فليرجع إليه.

.تفسير الآية رقم (27):

الآية السابعة:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} زجر اللّه سبحانه عن دخول البيوت بغير استئذان، لما في ذلك من مخالطة الرجال للنساء فربما يؤدي إلى الزنا أو القذف، فإن الإنسان يكون في بيته ومكان خلوته على حالة قد لا يجب أن يراه عليها غيره فنهى اللّه سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية هي قوله: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}: الاستئناس: الاستعلام والاستخبار أي حتى تستعلموا من في البيت.
والمعنى: حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم، فإذا علمتم ذلك دخلتم.
وقيل: الاستئناس الاستئذان.
{وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها}: قد بينه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأن يقول: السلام عليكم أأدخل؟ مرة أو ثلاثا.
واختلفوا هل يقدم الاستئذان على السلام أو العكس؟ فقيل: يقدم الاستئذان فيقول: أأدخل سلام عليكم، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام.
وقال الأكثرون: إنه يقدم السلام على الاستئذان فيقول: السلام عليكم أأدخل؟
وهو الحق، لأن البيان منه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للآية كان هكذا.
وقيل: إن وقع بصره على إنسان قدم السلام وإلا قدّم الاستئذان.
{ذلِكُمْ}: أي الاستئناس والتسليم، أي دخولكم معهما.
{خَيْرٌ لَكُمْ}: من الدخول بغتة.
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)}: أن الاستئذان خير لكم، والمراد بالتذكر الاتعاظ والعمل بما أمروا به.

.تفسير الآية رقم (30):

الآية الثامنة:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30)}.
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ}: خصّ للمؤمنين مع تحريمه على غيرهم، لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر بهم أحق بها من غيرهم وأولى بذلك ممن سواهم.
وقيل: إن في الآية دليلا على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات. كما يقول بعض أهل العلم.
{يَغُضُّوا} معنى غض البصر: إطباق الجفن على العين بحيث يمنع الرؤية.
{مِنْ أَبْصارِهِمْ}: هي التبعيضية وإليه ذهب الأكثرون وبينوه بأن المعنى غض البصر عما يحرم والاقتصار به على ما يحل.
وقيل: وجه التبعيض أنه يعفى للناظر أول نظرة تقع من غير قصد، وقيل غير ذلك.
وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحل النظر إليه.
و: معنى: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}: أنه يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم.
وقيل: المراد ستر فروجهم عن أن يراها من لا يحل له رؤيتها. ولا مانع من إرادة المعنيين، فالكل يدخل تحت حفظ الفرج.
وقيل: وجه المجيء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر، فإنه لا يحرم منه إلا ما استثنى، بخلاف حفظ الفرج فإنه مضيق فيه، فإنه لا يحل منه إلا ما استثنى.
وقيل: الوجه أن غض البصر كله كالمتعذر بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق. والإشارة بقوله:
{ذلِكَ} إلى ما ذكر من الغض والحفظ وهو مبتدأ وخبره.
{أَزْكى لَهُمْ}: أي أطهر لهم من دنس الريبة وأطيب من التلبس بهذه الدنية.
{إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (30)}: لا يخفى عليه شيء من صنيعهم، وفي ذلك وعيد لمن لم يغض بصره ويحفظ فرجه.

.تفسير الآية رقم (31):

الآية التاسعة:
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}.
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}: خص اللّه سبحانه الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد، لدخولهن تحت خطاب المؤمنين تغليبا، كما في سائر الخطابات القرآنية. وظهر التضعيف في (يغضضن) ولم يظهر في {يَغُضُّوا} لأن لام الفعل من الأول متحركة، ومن الثاني ساكنة، وهما في موضع جزم جوابا للأمر.
وبدأ سبحانه بالغض في الموضعين قبل حفظ الفرج لأن النظر وسيلة إلى عدم حفظ الفرج، والوسيلة مقدمة على المتوسل إليه.
ومعنى يغضضن كمعنى يغضوا فيستدل به على تحريم نظر النساء إلى ما يحرم عليهن، وكذلك يجب عليهن حفظ فروجهن على الوجه الذي تقدم في حفظ الرجال لفروجهم.
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}: أي ما يتزيّن به من الحلية وغيرها، وفي النهي عن إبداء الزينة نهي عن إبداء مواضعها من أبدانهن بالأولى، ثم استثنى سبحانه من هذا النهي فقال: {إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها}: واختلف الناس في ظاهر الزينة ما هو؟
فقال ابن مسعود وسعيد بن جبير: وهو الثياب، وزاد سعيد الوجه.
وقال عطاء والأوزاعي: الوجه والكفان.
وقال ابن عباس وقتادة والمسوّر بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الساق ونحو ذلك فإنه يجوز للمرأة أن تبديه.
وقال ابن عطية: إن المرأة لا تبدي شيئا من الزينة وتخفي كل شيء من زينتها، ووقع الاستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة، ولا يخفى عليك أن ظاهر النظم القرآني النهي عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها كالجلباب والخمار ونحوهما مما على الكف والقدمين من الحلية ونحوها، وإن كان المراد بالزينة مواضعها كان الاستثناء راجعا إلى ما يشق على المرأة ستره كالكفين والقدمين ونحو ذلك.
وهكذا إذا كان النهي عن إظهار الزينة يستلزم النهي عن إظهار مواضعها لفحوى الخطاب، فإنه يحمل الاستثناء على ما ذكرناه في الموضعين، وأما إذا كانت الزينة تشمل مواضع الزينة وما تتزين به النساء فالأمر واضح والاستثناء يكون من الجمع.
قال القرطبي في تفسيره: الزينة على قسمين: خلقية ومكتسبة، فالخلقية وجهها فإنه أصل الزينة، والمكتسبة ما تحاوله المرأة من تحسين خلقها كالثياب والحلي والكحل والخضاب. ومنه قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، وقول الشاعر:
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى ** وإذا عطلن فهن خير عواطل

{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ}: الخمر: جمع خمار، وهو ما تغطي به المرأة رأسها.
والجيوب: جمع جيب، وهو موضع القطع من الدرع والقميص، مأخوذ من الجوب وهو القطع.
قال المفسرون: إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن وكانت جيوبهن من قدام واسعة، فكانت تنكشف نحورهن وقلائدهن، فأمرن أن يضربن مقانعهن على الجيوب ليسترن بذلك ما كان يبدو، وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء الذي هو الإلصاق، وقد فسّر الجمهور الجيوب بما ذكرنا وهو المعنى الحقيقي.
وقال مقاتل: إن معنى {عَلى جُيُوبِهِنَّ}: على صدورهن فيكون في الآية مضاف محذوف، أي على مواضع جيوبهن.
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}: البعل: هو الزوج والسيد في كلام العرب، وقدم البعولة لأنهم المقصودون بالزينة ولأن كل بدن الزوجة والسرية حلال لهم، ومثله قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 5- 6].
{أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ} فجوز للنساء أن يبدين الزينة لهؤلاء لكثرة المخالطة وعدم خشية الفتنة، لما في الطباع من النفرة عن القرائب.
وقد روي عن الحسن والحسين رضي اللّه عنهما: أنهما كانا لا ينظران إلى أمهات المؤمنين، ذهابا منهما إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا في الآية التي في أزواج النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهي قوله: {لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ} [الأحزاب: 55]، والمراد بأبناء بعولتهن ذكور أولاد الأزواج، ويدخل في قوله: {أَبْنائِهِنَّ} أولاد الأولاد- وإن سفلوا- وأولاد بناتهن- وإن سفلوا- وكذلك آباء البعولة وآباء الآباء وآباء الأمهات- وإن علوا- وكذلك أبناء أبناء البعولة- وإن سفلوا- وكذلك الإخوة والأخوات.
وذهب الجمهور إلى أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر إلى ما يجوز لهم، وليس في الآية ذكر الرضاع وهو كالنسب، وقال الشعبي وعكرمة: ليس العم والخال من المحارم.
{أَوْ نِسائِهِنَّ}: هي المختصات بهن الملابسات لهن بالخدمة أو الصحبة، ويدخل في ذلك الإماء، ويخرج من ذلك نساء الكفار من أهل الذمة وغيرهم، فلا يحل لهن أن يبدين زينتهن لهن لأنهن لا يتحرجن من وصفهن للرجال، وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات.
{أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ}: ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء من غير فرق بين أن يكونوا مسلمين أو كافرين، وبه قال جماعة من أهل العلم، وإليه ذهبت عائشة وأم سلمة وابن عباس ومالك.
وقال سعيد بن المسيب: لا تغرنكم هذه الآية: {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ} إنما عني بها الإماء ولم يعن بها العبيد.
وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته. وهو قول عطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين، وروي عن ابن مسعود، وبه قال أبو حنيفة وابن جريج.
{أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ}: المراد بهم الذين يتبعون القوم فيصيبوا من طعامهم لا همة لهم إلا ذلك ولا حاجة لهم في النساء. قاله مجاهد وعكرمة والشعبي.
وأصل الإربة والأرب والمأربة: الحاجة والجمع مآرب.
قيل: المراد بغير أولي الإربة الحمقاء الذين لا حاجة لهم في النساء.
وقيل: البله، وقيل: العنّين.
وقيل: الخصي.
وقيل: المخنث.
وقيل: الشيخ الكبير. ولا وجه لهذا التخصيص بل المراد بالآية ظاهرها وهم من يتبع أهل البيت ولا حاجة له في النساء ولا يحصل منه ذلك في حال من الأحوال، فيدخل في هؤلاء من هو بهذه الصفة ويخرج من عداه.
{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ}: الطفل: يطلق على المفرد والمثنى والمجموع والمراد به هنا الجنس الموضوع موضع الجمع بدلالة وصفه بوصف الجمع.
وفي مصحف أبيّ: {أَوِ الطِّفْلِ} على الجمع، يقال للإنسان: طفل ما لم يراهق الحلم.
ومعنى لم يظهروا: لم يطلعوا، من الظهور بمعنى الاطلاع. كذا قال ابن قتيبة.
وقيل: معناه لم يبلغوا حد الشهوة. قاله الفراء والزجاج.
واختلف العلماء في وجوب ستر ما عدى الوجه والكفين من الأطفال؟
فقيل: لا يلزم لأنه لا تكليف عليه وهو الصحيح.
وقيل: يلزم لأنه قد يشتهي المرأة.
وهكذا اختلف في عورة الشيخ الكبير الذي قد سقطت شهوته، والأولى بقاء الحرمة كما كانت، فلا يحل النظر إلى عورته ولا يحل له أن يكشفها.
وقد اختلف العلماء في حد العورة؟
قال القرطبي: أجمع المسلمون على أن السوأتين عورة من الرجال والمرأة، وأن المرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها- على خلاف في ذلك.
وقال الأكثر: إن عورة الرجل من سرته إلى ركبتيه.
{وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}: أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليسمع صوت خلخالها من يسمعه من الرجال، فيعلمون أنها ذات خلخال.
قال الزجاج: وسمع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها.
ثم أرشد عباده إلى التوبة من المعاصي فقال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ}: فيه الأمر بالتوبة ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها وأنها فرض من فرائض الدين.
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} أي تفوزون بسعادة الدنيا والآخرة.
وقيل: إن المراد بالتوبة التناهي عما كانوا يعملونه في الجاهلية. والأول أولى لما تقرر في السنة من: «أن الإسلام يجب ما قبله».